إذاً لماذا يكتب المرء؟ ما الداعي لهذه العملية التي قدت من الخلود المصغر للكائن البشري على الكرة الأرضية؟ حسناً إنها إجابة طويلة ومعقدة، ويمكن القول بأنها خاصة جداً. بعيداً عن تاريخ الكتابة لدى الإنسان، وبعيداً عن الحاضر، لكل امرئ سببه في هذا، ليست التبريرات العامة هي التي يجب أن يعتد بها، بل سؤال الإنسان الواحد، السؤال الخاص، لماذا تكتب؟ وليس السؤال العام: لماذا نكتب؟ أنا أكتب مثلاً للتخلص من الأفكار المزدحمة في رأسي، أو لأن هناك ما يحرضني طيلة الوقت على إمساك القلم والتجديف في بياض الورقة بقاربي الأزرق، أو لأن مشاعري لا تهدأ إلا بهذه الطريقة، ويكتب غيري ربما لأنه يحب الكتابة، أو لأنه يراها مهنة جميلة يمكنه أن يتقدم في حياته عن طريقها، ويكتب غيره ربما لكي يزيح عن كاهل الآخرين همومهم وآلامهم. ليست القضية مشتركة، وإن كان الفعل كذلك. الكتابة لا تحدث بشكل عام، ليتم الحكم على أسبابها بشكل عام، الكتابة قضية فردية بشكلٍ محض، لا أحد يكتب مشتركاً في الجملة الواحدة مع غيره، كما التحدث، لا أحد يتحدث بكلمة ويكمل الآخر له جملته، هي جملتك، هي عالمك أنت، هي أفكارك أنت، هي مشاعرك أنت، لذا يجب أن تكون الإجابة خاصة، ومختلفة.
ثم نأتي على أصناف الكتابة، فمن يكتب الرواية مثلاً سيعطيك سبباً مختلفاً عن الذي يعطيك إياه من يكتب القصيدة، ومن يكتب قصيدة النثر سيعطيك سبباً مختلفاً عمن يكتب القصيدة الموزونة، ومن يكتب الكتب العلمية بشتى جوانبها، بالتأكيد ستكون إجابته مختلفة وواضحة. ويمكن سرد الكثير عن أسباب الكتابة، ولكن قد تكون هناك أسباب لا نعلمها، لدى من لا نعرف عن وجوده شيئاً. إلا أن النص يمنح القارئ شيئاً من هذا السبب، أو يوحي إليه به، أو يوهمه به، من خلال فكرته، أو طريقة صياغته، فالنص انفتاح غير مباشر على نفس الكاتب، وعقله، أو مباشرٌ في بعض الأحيان، وإن كانت هذه المباشرة خداعة، وقابلة للعديد من التأويلات، كما ينبغي للنصوص الجيدة جداً.
لكن السؤال الأكبر هو: لماذا نسأل عن أسباب الكتابة؟ ما الذي سينفعنا به هذا الأمر؟ لعل هذا السؤال هو سؤال القارئ المهتم بالكاتب، أو سؤال الكاتب المبتدئ الراغب في إيجاد وسيلة لمواصلة وتطوير إبداعه الكتابي، أو سؤال الباحث الأكاديمي، لكن إذا كنتُ أنا مثلاً من سيقرأ بحثاً تناول هذا الموضوع، فلماذا أقرأه؟ ماذا سيضيف إلى معرفتي؟ ربما ستكون أحد الأمور التي سيضيفها إلي، وهو أمرٌ مهم لي لفهم النص أكثر، هو معرفة أسباب كتابة النص، وللنظر بصورة أكبر، معرفة أسباب استمرار الكاتب بخطّ هذه النصوص، وهذه الموضوعات، وتزويدنا بما في نفسه من مشاعر، قد تشترك مع الآخرين، لعل هذه المعرفة تجعني أقع في فخ الكتابة، للتخلص من كل ما سعى الكاتب للتخلص منه.