الروائية والمترجمة إيمان أسعد جمعت بين الأدب والحاسب الآلي في دراستها الأكاديمية، وبين الرواية والترجمة في إصداراتها التي استهلتها بتأليف رواية “زينب والخيط الذهبي” عام 2014، وما زالت تثري المكتبة العربية بترجمات لروايات عالمية بديعة.
١. الكتاب المرافق لك حاليًا.
أقرأ حاليًّا ثلاثة كتب: ديوان ”السيرة الذاتية للموت“ للشاعرة كيم هايسون ترجمة الشاعرة دون مي تشوي، ”خارج المكان“ لإدوارد سعيد (باللغة الانجليزية – كندل)، و ”منطق الطير“ لفريد الدين العطار ترجمة الدكتور بديع محمد جمعة. في الغالب ترافقني ثلاثة كتب أقرأها في ساعات محددة من النهار والليل. القراءة الصباحية بعد صلاة الفجر لا بد أن تكون شعرًا، في أي صورة من صوره، ومن شروط قراءته ألا يجتمع معها طعام، خلا فنجان القهوة، إذ أرى أن الشعر لا يحتمل أي ذرة ثقل في الجسد تحول بين الروح وارتقائها إلى القصيدة. بعد أربعين دقيقة بين القراءة والتأمل أنتقل إلى الكتاب المرافق للشعر، وقد ينتمي إلى أي فئة أدبية. معه أتناول شطيرة فول سوداني مع مربى كونها وجبة مغذية وخفيفة على الجسد، وتمدني بالطاقة اللازمة للتفكر. أما الكتاب الثالث فهي قراءة ما قبل المنام وغالبًا ما تكون قراءة صوفية (يشترط معها ألا أتعشى)، لما تتركه في نفسي من اطمئنان واستعداد نفسي وذهني للنهوض صباح اليوم التالي.
٢– كتابك المفضل دائمًا وأبدًا
دائمًا ما أعود إلى كتابي الأحمر، وهو اللقب الذي أطلقته على كتاب جلال الدين الرومي (The Essential Rumi) بترجمة كولمان باركز المذهلة. رافقني مع البدايات الأولى لصباحاتي الشعرية في حسابي الانستغرامي، وكان له الفضل الكبير في ترسيخ عادة قراءة الشعر والتأمل صباحًا، واستهلال يومي مباشرةً بعد الفجر دون العودة للنوم. كذلك وجدت في قصائده الإرشاد والسلوان وأهمية الالتفات إلى الروح وعلاقتنا الفردية المجردة من كل التصنيفات الدنيوية مع الله سبحانه وتعالى في خضم القلق اليومي المادي الذي ما أنفك يتآكلني وشعوري الدائم بالاغتراب. اقتنائي الكتاب جاء صدفة قبل ستة أعوام يوم كنت في مكتبة جرير أبحث عن رواية، فحين لم أجدها سألت البائع وأكد لي نفاده، لكن سرعان ما تناول كتاب الرومي وأوصاني بقراءته، قائلًا لي أني لن أندم، ومذ ذاك هو الرفيق الدائم لي.
٣. كتاب قرأته أكثر من مرة
من حيث المبدأ لا أحبذ إعادة القراءة، لكن مع الترجمة الروائية يستحيل ألا أعيد القراءة إذ يتطلب الأمر قراءة الرواية ذاتها مرات متلاحقة. لكن هناك كتب أعود إليها، وتلك الكتب غالبًا ما تكون الشعر. وكذلك هناك كتاب عدت إلى قراءته هذا العام مع أزمة كورونا، وهو كتاب ”رسائل من المنفى“ لسينيكا كيما أستزيد من الحكمة الروحية فيه والقائمة في الأساس على الفلسفة الرواقية وأن الحياة ما هي إلا اللحظة التي نعيشها، وأن كل شيء قابل للخسارة والضياع، فلا داع للقلق على فقدانك لأي شيء لأنه حتمًا مقدر لك أن تفقده، عاجلا أم آجلًا، ولا سيطرة تملكها على إبقائه لحظة أخرى لديك بعد أوان زواله، إن يكن مالًا أو عائلة أو حبًّا أو بيتًا أو وظيفة أو حتى وطن. لكن مقابل هذا الفقد فأنت قادر على بناء حياة جديدة ولعلها ستكون أفضل من التي خسرتها، لكن عليك ألا تسمح للأسى بالسيطرة عليك.
٤. كتاب أثّر بك في طفولتك.
في مرحلة الطفولة الأولى، أي الابتدائية، فلا شك أن مجموعة قصص” المكتبة الخضراء“ كانت المنبع الأول للحكايا والخوض في تجربة القراءة بكل ما تنطوي عليه من صور اللغة والسرد والخيال والحكمة. ولست أنا وحدي من تأثر بها، بل لي أن أجزم أن الغالبية العظمى من أبناء جيلي لم تخل مكتباتهم منها واستهلوا قراءاتهم بها. أما مرحلة الطفولة الثانية، مرحلة ما قبل المراهقة، فرواية ”قصة مدينتين“ لتشارلز ديكنز كان لها الأثر الأعظم كونها أول رواية أقرأها، والرواية التي أدركت معها أن كل ما أريده من الحياة أن أكون روائية. وأرى الآن، بعد خوضي غمار الترجمة الروائية لثلاثة أعوام، أني أيضًا تأثرت بمترجمها منير البعلبكي، شيخ المترجمين العرب، إذ هو المثال الذي أضعه نصب عينيّ. فحين قرأت الرواية بلغتها الانجليزية في مرحلة الثانوية، أدركت أن البعلبكي منحني ذات تجربة القراءة التي عاشها القارئ الانجليزي، وهذا ما أصبو إليه دومًا في ترجماتي: الحفاظ على أصالة التجربة.
٥- كلمة تحبها .. كلمة تكرهها
من حيث الكلمات فالكلمة التي تريحني وأحرص دومًا عليها هي ”الحمد“. الكلمة التي أكرهها هي ”القلق“ ليس بمعنى القلق اليومي الاعتيادي بل القلق الوجودي المتراكم والناشئ عن الهواجس. كذلك، على الصعيد الشخصي، يهمني جدًا السياق الذي تقال فيه الكلمات، فأنا يهمني جدًا اللطف وليونة القلب، لكن للأسف بتنا نفتقد اللطف في حوارنا مع الآخرين إذ ينظر إليه أنه يوحي بتقليل المرء من شأنه أو قيمته أو فكره. كذلك وسائل التواصل الاجتماعي عززت اللسان الساخر والمتهكم والمتذمر والاستعلائي، وهو أسلوب لا أستسيغه شخصيًّا، لا في عالمي الواقعي ولا الافتراضي، لذا فدومًا تأتي ردة فعلي سلبية على فظاظة الحديث حتى وإن كان مضمونه مهمًا، وهنا تنتابني الكراهية ضد الكلمات.
٦-كتاب تحبين تقديمه كهدية، ولمن تهدينه؟
كتاب ”صيدلية الشعر“ (The Poetry Pharmacy) لويليام سيجهارت. وهذا الكتاب هو تجميع للقصائد وفق الحالات النفسية الصعبة التي قد نعاني منها، وكيف لكل قصيدة منها أن تكون دواءً لما نعانيه. أهديه لكل من يجد نفسه في وقت عصيب وكأن لا أحد يفهمه، لأنه سيفاجأ، مثلي، بأن الشعر يحمل في طيه البصيرة على أحوال حياتنا بكل ما فيها. وأحيانًا كثيرة البصيرة هي ما نحتاج، الإحساس بالتجربة الإنسانية المشتركة هي ما نحتاج، أننا لسنا وحدنا من يعاني في هذه الحياة.
٧- كاتب أو شخصية (حقيقية أو خيالية من كتاب) ترغبين بالنقاش معها في نادي قراءة
في صباحاتي الشعرية على الانستغرام دومًا ما أتخيل أن الشاعر أو الشاعرة هما حقًا برفقتي على طاولة المقهى، وأستمتع بنقاشاتي الذهنية معهم، وأحيانًا أرفق شيء من حواراتي المتخيلة معهم في البوست. لكن في واقع الحياة، إن تسنى لي مناقشة أحدهم، لا أظن أني سأكون متحمسة، بل سأكون على الأرجح منكفئة وأتلعثم في الكلام. فأنا أخشى مغبة فصل الكاتب عن النص، فالكاتب الذي أتخيله وأتعلق به هو صنيعة النص الذي بين يدي، أما الكاتب في وجوده الواقعي فيخيفني، لأنه سيحطم الصورة التي صنعتها وتعلقت بها. ولربما أكثر من تعلقت بهم كشخصيات متخيلة برفقتي هم الشعراء: أبو العلاء المعري، بسام حجار، وتوماس ترانسترومر .
٨– الجنس الأدبي الذي تفضلين قراءته
حتى العام ٢٠١٤، كانت الرواية هي الجنس الأدبي المفضل بلا منازع، والرواية الغربية بالذات، إذ للأسف الشديد أجدني مقصرة جدًا في قراءة الرواية العربية لا سيما المعاصرة. ومذ بدأت مع قراءة الشعر، انفتحت على قراءات الفلسفة والدين، كذلك أهوى قراءة كتب المقالات، وكان هناك توازن بين تلك الأجناس الأدبية. لكن مع خوضي غمار الترجمة الروائية، فقراءة الروايات انكمشت إلى حد كبير لأني أستصعب قراءة رواية بينما أترجم رواية أخرى، إذ لا يسعني بناء عالمين روائيين في ذهني في ذات الآن. لكن، في ذات الوقت، وجدت في قراءة الشعر العربي معينًا لغويًّا متجدّدًا لا ينضب يمدني بالثروة اللغوية التي أحتاج في الترجمة، ومن الشعراء الذين رافقوني في ترجماتي ميخائيل نعيمة وجبران وسركون بولص ومحمود درويش وجبرا في تعريبه السونيتات وأمجد ناصر وبسام حجار. لذا في الوقت الحالي لي أن أقول أنَّ الشعر هو الجنس الأدبي المفضل لديّ بلا منازع.