الروائي المصري عزت القمحاوي أصدر عمله الأول عام 1992، ثم توالت أعماله في القصة والرواية والنص المفتوح على مختلف الأجناس الأدبية. حصل على جائزة نجيب محفوظ عام 2012 عن روايته بيت الديب. كما وصلت روايته يكفي أننا معا إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2018.
- الكتاب المرافق لك حاليًا.
ـ «الحرافيش» الرواية الملحمية لنجيب محفوظ. ربما هي القراءة الرابعة على فترات زمنية متباعدة. الرواية التي تحمل كل ملامح الرؤية الفلسفية لنجيب محفوظ وأسئلته الوجودية الأساسية بشأن الحياة والموت والخلود ولعبة القوة. هي أسئلة محفوظ الأساسية التي نجدها في كل رواياته تحت طبقة من حياة الحارة بصخب فتواتها وانكسار ضعفائها (السطح الذي انشغلت به السينما). في كل قراءة لهذه الرواية أكتشف بعدًا جديدًا. وهذا الغنى هو جواز مرورها إلى قراء المستقبل.
- كتابك المفضل دائمًا وأبدًا.
ـ «الأمير الصغير» لأنطوان دو سانت إكزوبري، وقد دفعني حبه إلى محاولة تعلم اللغة الفرنسية، وبعد أن قطعت شوطًا أخذتني الكتابة فتوقفت، لكنني لا أكف عن اقتناء ترجماته المختلفة في العربية، وفي أية مكتبة أزورها في أي بلد بالعالم أبحث عن طبعات «الأمير الصغير» متعددة القطع، أسعد برؤيتها وتلمسها مثل طلسم. لا أعرف شيئًا من اللغة، لكنني أدرك سر قوتها.
هذا الكتاب معجزة، ليس لأنه صالح لكل أعمار القراء فحسب، بل لأنه استطاع أن يضع فلسفة عميقة في مظهر ساذج. برأيي هذا أجمل تمثال للسذاجة في تاريخ الفن.
- كتاب قرأته أكثر من مرة.
ـ لا أحتفظ في مكتبتي إلا بالكتب القابلة للقراءة أكثر من مرة. لكنني أعود دائما لـ «الأبله» لدوستويفسكي الذي أراه ذروة أعماله، مخالفًا ـ وليسامحني الله ـ الإجماع النقدي على «الأخوة كارامازوف».
الأبله، هو الاستلهام الأكثر رهافة لشخصية تاريخية ينجح فيه كاتب. طوال الوقت نحن أمام شخص يشبه السيد المسيح ولا يشبهه. شاب يتيم مفلس يعود إلى بطرسبرج من رحلة علاج في سويسرا. يتقبل الجميع حكايته عن أصل عائلته النبيل، دون أن يكون هناك أثر لهذه العائلة. الحب بين ميشكين وكل من يراه يولد فجأة، وكأننا بصدد انفجار أو اشتعال حريق، ومع ذلك هو ليس وقوعًا من النظرة الأولى؛ فغالبًا ما يكون التشكك والرفض هو الشعور الأول الذي يولده مظهر الأمير المحير، ثم يتحول الموقف في لحظة كما لو كان إلهامًا أو وحيًا يهبط على الآخرين. كل النساء أحببنه، لكننا نكتشف في نهاية الرواية أن الحب يمكن أن يكون مدمرًا كالكراهية، سواءً بسواء.
- كتاب أثّر بك في طفولتك.
ـ كتاب لا أعرف ماذا كان ولا من كاتبه، لأنني قرأته ناقصًا الغلاف وصفحات التعريف، كان قصة حب زليخة ليوسف. وللآن يأكلني الفضول لمعرفة المؤلف الذي زرع حب القراءة في قلبي، مع خوف من إحباط يشبه ذلك الإحباط الذي يصيبنا عندما نلتقي في الشيخوخة بحب طفولتنا.
أغلب الظن أنها كانت من القصص التي يراد بها زرع الفضيلة في قلوب الأطفال، لكن ما رأيته كان الحب. وهذا يؤكد أن القارئ شريك في إنتاج معنى النص. حتى الطفل يتلقى ما يقرأ على هواه.
- كلمة تحبها .. كلمة تكرهها.
ـ الشغف. كلمة أحبها، إنها لا تتضمن مشاعر الحب فحسب، لكنها مشحونة بالطاقة لفعل شيء من أجل ما نحب. هي أن نحب بحواسنا وإرادتنا وليس بعاطفتنا الساكنة وحدها.
الخواء. كلمة أكرهها مثلما أكره الموت. هي مرادف الموت، فلا شيء أكثر خطورة من الفراغ. قلب فارغ من الحب أو الكره قلب ميت. ولأن الفرح يصبح نادرًا يومًا بعد يوم، فخياري الثاني ـ بعد الفرح العزيزـ أن أستيقظ مهمومًا لا خاوي النفس.
- كتاب تحب تقديمه كهدية، ولمن تهديه؟
ـ دائمًا ما أهدي الأطفال القريبين مني كتاب الأمير الصغير. أحب أن أهدي كذلك «ثرثرة فوق النيل» لنجيب محفوظ، أُقدِّر في تلك الرواية قدرة الهذيان على إنتاج المعنى. كل التحذيرات من النكسة أطلقها المسطول أنيس زكي.
وإذا كانت من ستتلقى هديتي شابة أو كان شابًا فسوف أهدي لها وله «الجميلات النائمات» لياسوناري كاواباتا، من أجل أن يحتاطا، ويستمتعا بالحياة قبل أن يبلغا عمر إيغوشي الغارق في ألم الشيخوخة وضعفها المسف.
- كاتب أو شخصية (حقيقية أو خيالية من كتاب) ترغب بالنقاش معها في نادي قراءة
ـ من الأحياء سأختار إسماعيل كاداريه، الأول لأسأله سؤالاً واحدًا: كيف كتبت قصر الأحلام؟ وميلان كونديرا، لأسأله سؤالاً واحدًا: لماذا تكتب الرواية. أُقدِّر كونديرا جدًا كفيلسوف، لكن أفكاره تطغى على دفء عالمه.
من الراحلين دوستويفسكي، وغالبًا لن أسأله؛ فقد بت أعرف كل شيء عنه، ولكنني سألقي في حضرته خطبة مطولة، أنا الذي لا أحب الخُطب. لكنني أريد أن أشكره، لأن الأدب العالمي كان سيبدو فقيرًا من دونه.
ومن أبطال الكتب أحب أن أحاور الخليفة هارون الرشيد البطل البارز في ألف ليلة وليلة، ولن أسأله عن وقائع التاريخ الواقعي التي لا يمكن الاستيثاق منها، بل عن التاريخ الخيالي مع الوزير جعفر، ومفاجآت جولات التفقد الليلية للرعية.
- الجنس الأدبي الذي تفضل قراءته.
أريد أن أتذكَّر ما كنت أحبه قبل أن أربط مصيري بالكتابة. كانت الرواية في مقدمة قراءاتي، وفي فترة تالية كان الشعر، ومنذ سنوات طويلة، عندما صار بناء معرفة متكاملة ضرورة أصبحت أقرأ كل شيء، على أن تكون الكتابة ذكية وخفيفة الدم؛ فالغباء وثقل الظل متوفر في الواقع المفروض علينا، ولا معنى لاحتمالهما في كتب نختارها بأنفسنا.