المترجم والأكاديمي السوري مهدي سليمان، ترجم أكثر من خمس عشرة رواية لأعمال من أمريكا وألمانيا والبرتغال وبريطانية والسويد، من أبرز أعماله ترجمة سلسلة الحي للكاتب البرتغالي غونزالو تافاريس، ومن أحدثها ترجمة كاملة لرواية برام ستوكر الشهيرة “دراكولا”. عمل في السلك الأكاديمي في جامعة القلمون وجامعة دمشق في سوريا ويعمل حاليًا أكاديميًا في كلية الشرق الأوسط في سلطنة عمان.
- الكتاب المرافق لك حاليًا.
غُصْتُ منذ مدةٍ قريبةٍ في قراءة رواية الكاتب الكوبي غيرمو كابريرا إنفاته الموسومة بعنوان (ثلاثة نمور حزينة) الصادرة حديثًا عن دار المدى بترجمة بسام البزاز. وفي المائة وخمس عشرة صفحة التي قرأتُها منها حتى الآن ما زلتُ أغوص أعمق وأعمق في بحرٍ من العجائبية السردية حتى حسبتُنِي لن أجدَ يابسةً ألوذُ بها. على أن الترابط لم يتحقق حتى هذه اللحظات بين عناصر السرد الآتي من هنا وهناك كنصال السهام المتكسرة على جبروت هدفٍ يعتريه الغمام فإنَّ الروعة والسحر وتفاصيل التفاصيل ما تنفكُّ تنبثق بين حينٍ وآخر من صفحات الكتاب. وألفيتُ نفسي أمام مشاهِدَ زاخرة بالحياة الكوبية الهاڤانية الحقيقية، باللغة المسحوبة من ألسنة أهل هاتيك البلاد، بالوصف المتجاوز حدود الدقة لكلِّ شيء، ولأي شيء. وأظنُّ أني سأكتشف المزيد من أسرار الكتابة التي اختطَّها إنفاته لنفسه كلما ازددتُ إيغالًا في أعماق هذا الكتاب.
- كتابك المفضل دائمًا وأبدًا.
إذا كان المراد من هذا السؤال الأعمال الأدبية فإني أختار، ودون أدنى درجة من درجات التردد، أعمال الروائي العربي العظيم عبد الرحمن منيف جميعها. وإنْ حوصرتُ وكان لا بدَّ من اختيار أحدها فسأختار روايتَه الآسرة (شرق المتوسط)… العنوان بحدِّ ذاته يحيلني إلى تلك البقاع القابعة شرق المتوسط فعلًا، تلك التي تطرد أبناءَها من حضنها ومن رحمتها. قد لا يصدِّق إنسانٌ عاقل أنه توجد أوطان تطرد أبناءَها، ولكنَّ منيف أحال في روايته تلك الخيالَ واقعًا نرَاه بأمِّ أعيننا في أيامنا هذه.
- كتاب قرأته أكثر من مرة.
القرآن الكريم بطبيعة الحال لأنَّ فيه اختلافًا عن السرد البشري المعتاد. أما فيما عدا ذلك، فلم يحدث مسبقًا أن قرأتُ كتابًا أكثر من مرَّة حتى الآن. ولكنني اعتدتُ إعادة استذكار مقاطع معينة من كتب بعينها، وأعني بها الكتب التاريخية المكتوبة بموضوعية مقبولة إلى حدٍّ ما. أعيد قراءة تلك المقاطع حتى أتيقن من معلومةٍ قرأتُها منذ زمنٍ وأخشى عليها من الصدأ والتحنُّط الذاتي.
- كتاب أثّر بك في طفولتك.
كتاب (كليلة ودمنة) لعبدالله بن المقفع. قرأتُه بنسخته المدرسية المبسَّطة فأذهلني، ثم قرأته بنسخته الأصلية في العطلة الصيفية بين الصفين السابع والثامن فزادني ذهولًا؛ لا بل إنه دمغ الذهول بالسحر. عملٌ سابق لزمانه من حيث الأسلوب والغايات والشخصيات. تخيَّلتُه حينذاك فلمًا ضخمًا تنتجه شركة رسوم متحركة عملاقة بإمكانات هائلة من ناحية الرسومات والصوت لأنَّ فيه أصلًا حوارًا رخيمًا وحبكةً متينة. ولا يمكنني أن أنسى الكمَّ الهائل من الحكم والدروس التي بثَّها في نفوسنا من حبٍّ للخير ونبذ للشرِّ وغيرهما من القيم الأصيلة.
- كلمة تحبها .. كلمة تكرهها.
أحبُّ كلمة (الطمأنينة) حبًا لا يُدَانى، لأنَّ كلماتٍ من قبيل الهدوء، والسعادة، والسلام، وحتى الأمل تبدو مواربة ونسبية. فالطمأنينة شعور كاملٌ مكتملٍ يفشي لكَ سرًا كبيرًا: ليس هناك ما يعكِّر صفوَ النفسِ. الطمأنينة هدفٌ صعب المنال في أحايين كثيرة. وحتى وإنْ بلغها الإنسان فهي لا تدوم طويلًا. أما الكلمة التي أبغضها بغضًا شديدًا فهي (النذالة) لأنها تلخِّص أشنع الصفات التي قد تجتمع في شخصٍ ما. وهي تتجاوز بمعناها وبشاعة تركيب حروفها الكثير الكثير من الصفات السيئة الأخرى.
- كتاب تحب تقديمه كهدية، ولمن تهديه؟
ثمة كتاب واحدٌ لا غيره: (سأخون وطني) للراحل محمد الماغوط. لن أهديه إلى السياسيين العرب، بل لأبنائهم الذين سيرثوننا من بعدهم. لا لشيء سوى لأن يقرؤوا ما يمكن أن يعتمل في فكر مواطنيهم من أفكار إذا ما عاشوا الظلم وغياب العدالة الاجتماعية وانعدام الحرية وغياب الطمأنينة. وأقول لهم: “دعوا نصيحة آبائكم وأمهاتكم جانبًا، وانسوا وصاياهم النبيلة لكُم بقراءة (أمير) ميكياڤيللي، لأنَّهم قرأوه ولم يُجْدِ ذلك نفعًا، لا مَعَنَا ولا معهم. اقرأوا كتابًا يقرِّبكم من أبناء جلدتكم، ويشعركم بأنهم سيشبعونكم حبًا وولاءً إن أشبعتموهم كرامة”.
- كاتب أو شخصية (حقيقية أو خيالية من كتاب) ترغب بالنقاش معها في نادي قراءة
أود أولًا لقاء الروائي الإيرلندي الراحل برام ستوكر مؤلف الرواية الشهيرة (دراكولا) التي ترجمتُها كاملةً منذ حوالي عام واحد وصدرت عن دار الرافدين ومنشورات تكوين ضمن سلسلة (مرايا). هنالك عشرات الأسئلة التي تدور في بالي وأرغب في طرحها عليه.
أما من الشخصيات الخيالية فأودُّ لقاء الدون كيخوته وسؤاله عن سرِّ رفضه اقتناء حصان لتابعه سانشو بدلًا من حماره المتعب، سانشو الذي أخلص له في القول والعمل وصدَّقه حين لم يصدِّقه أحد.
كما أود لقاء شخصية سِدْنِي كارْتُن في رواية تشارلز ديكنز العظيمة (قصة مدينتين) وسؤاله عن جدوى التضحية بنفسه في سبيل لوسي مانيت. هذا السؤال يراودني منذ أيام الثانوية العامة حين قرأتُ الرواية المقررة علينا في المدرسة وشغفت حبًا بالأدب الإنجليزي بسببها.
- الجنس الأدبي الذي تفضل قراءته.
الروايةُ أولًا وليس أخيرًا. فالرواية تصوِّر المجتمعات والبشر من منظورٍ دقيق وشامل لتعطينا حصيلة فكرٍ يعيننا على التعامل مع عسف الأيام والحياة. لا أفضِّل قراءة أعمال الروائيين الشباب على الإطلاق، لأنَّ الرواية تحتاج إلى خبرة ودراية بالحياة وحنكة لغوية ورصيد متين من المفردات. وربَّما أميل أحيانًا لقراءة الكتب التاريخية التي يكتبها مؤرِّخون محايدون، وهم قلة قليلة بطبيعة الحال. ولا أستسيغ المذكَّرات، وخصوصًا مذكَّرات السياسيين، لأنها رواية أحادية الجانب.