لوحة بدون عنوان للفنانة راجحة قدسي، من مقتنيات مؤسسة بارجيل للفنون
بقلم/ بينيا كلارك
ترجمة/ أسماء الخالد
يحدثنا بينيا كلارك – وهو محام ومدرس من ولاية كارولينا الشمالية – عن تجربته مع كتاب ظل يحتقره لفترة طويله، وماذا حدث له بعد أن أعطى نفسه فرصة ثانية لقراءته.
أحببت القراءة من أجل المتعة في المدرسة الثانوية، لكنني كرهت حصص اللغة الإنجليزية. يبدو أن أساتذتي لديهم موهبة في انتقاء الكتب التي تبعث على الملل، وقضاء ساعات في تحليل الاستعارات المستترة والتي تبدو بلا فائدة على الإطلاق.
ومن بين جميع الكتب المملة التي مررت بها خلال دراستي لأربع سنوات كان هناك كتاب يعد الأسوأ والأكثر مللًا من بينها جميعًا: بعنوان “تعليم حجر التكلم” لآني ديلارد Teaching a Stone to Talk by Annie Dillard
الكتاب عبارة عن مجموعة من أربعة عشر مقالًا سرديًا غير روائي، يتضمن أغلبها مواضيع عن السفر والطبيعة.
قرأته بالكامل واحتقرت كل دقيقة قضيتها في خوضي لهذه التجربة. كرهت ذلك كثيرًا لدرجة أنه عندما حان الوقت لمناقشة الكتاب في حصة اللغة الإنجليزية، لم أكتف بالسكوت، بل أبديت رأيي فيه بكل ثقة وغرور:
“هذه من أكثر الحماقات الرنانة التي قرأتها على الإطلاق! “
“كتاب فارغ ويفتقر للدقة والحرفية”
(كنت مراهقاً طائشاً، أحب أن أسمي الأشياء وأصفها “بالرنانة” لم أكن مدركا بما يكفي لأرى مدى تأثير إهاناتي المفضلة تلك على نفسي).
لسنوات بعد قراءته، ظللت أتذكره باعتباره أسوأ كتاب قرأته على الإطلاق. ليصبح مضرب مثل لكل ما أعتبره سيئاً في الكتابة.
فرصة ثانية..
بعد سنوات – وبعد التخرج ليس من المدرسة الثانوية فحسب بل من الكلية – ذهبت لزيارة والديّ، ولمحت هناك نسخة من كتاب “تعليم حجر التكلم” مركونًا على أحد أرفف مكتبتهما. تناولت الكتاب وبعد تفحصه تفاجأت أنها نفس النسخة التي قرأتها في المدرسة الثانوية. اعتقدت أني تخلصت منها فورا في وقتها، ولكن يبدو أنه وبطريقة ما قد وجد له مكانا بين مجموعة كتب والديّ.
ما إن رأيت نسختي القديمة من الكتاب حتى تذكرت على الفور كم كنت أكرهه، والغريب أني لا أتذكر لماذا أكرهه إلى هذا الحد.
تسلل الفضول إلي وقررت قراءة مقال أو مقالين لأرى..
بعد كل هذا، سؤال تبادر إلى ذهني.. ما الذي يجعله سيئا للغاية لدرجة أني أستمر في كرهه لفترة طويلة بعد أن نسيت محتواه؟
أظن أنك عزيزي القارئ خمّنت بالفعل ما الذي حصل، نعم أحببت الكتاب على الفور!
لقد فتنت به من الصفحة الأولى، وأنهيت قراءته في اليوم نفسه.
الكتاب الذي كرهته جدًا أيام المدرسة الثانوية، أصبح الآن أحد أفضل ما قرأت على الإطلاق، النثر الذي بدا لي رنانًا ومتكلفًا أصبح متميزًا ورائعًا، في الحقيقة كانت لغة الكاتبة بسيطة وسلسة بشكل واضح. لدى آني ديلارد قدرة في تصوير المشاعر الأكثر تعقيدًا بجملة واحدة وبطريقة السهل الممتنع.
يمكنها أن ترسل عقولنا وتحلق بها في فضاء واسع من أوصاف عظمة الكون، وفي توقيت مناسب تعيدنا إلى الأرض بملاحظة ساخرة.
وما إن أنهيت قراءة الكتاب حتى أصبحت آني ديلارد مؤلفتي المفضلة، وفي غضون بضع سنوات أخرى قرأت كل ما يمكنني العثور عليه من مؤلفاتها.
تجربة في التواضع..
بالنسبة لي، فإن إعادة النظر في قراءة كتاب “تعليم حجر التكلم” تعد تجربة في التواضع. كانت هذه هي المرة الأولى التي أغير فيها رأيي بشكل جذري في مادة إعلامية. لقد تحول من كونه الكتاب الذي كرهته أكثر من غيره في العالم، إلى أحد الكتب المفضلة لدي على الإطلاق.
ولماذا كرهته في المرة الأولى؟
ببساطه، لأنني لم أفهمه كما يجب. ربما لصغر سني، أو لجهلي أو لقلة خبرتي. وبسبب ذلك فاتني جمال اللغة، واختلطت المعاني في رأسي لأرى التألق والإبداع هراء وتملق.
لقد غيرت التجربة حقا طريقتي في القراءة، فبدلا من البحث عن أسباب للنقد، وضعت في حسباني دائما أن أي كتاب جديد لابد وأن يحتوي على شيء جدير بالاهتمام حقا.