الكاتب والصحفي والروائي المصري إبراهيم فرغلي احترف الصحافة في 1990 وعمل في العديد من الصحف والمجلات البارزة كروز اليوسف والأهرام والعربي العلمي. أصدر أول مجموعة قصصية عام 1997 بعنوان “باتجاه المآقي” توالت بعدها أعماله السردية من روايات ومجموعات قصصية، كما كتب في أدب الرحلات وأدب الناشئة. له نتاج أدبي وثقافي ثري، مبني على الكتب التي سيحدثنا عنها في الأسطر القادمة، وكتب أخرى أكثير بكثير بالتأكيد.
- الكتاب المرافق لك حاليًا.
عادة ما يرافقني أكثر من كتاب في الوقت نفسه، على سبيل المثال بالكاد انتهيت من كتاب “الإسلام منذ نشوئه وحتى ظهور السلطنة العثمانية” للمؤرخ الفرنسي كلود كاهن، لكني في الوقت نفسه كنت أقرأ حكايات القيوط لمؤلفة من سكان أمريكا الأصليين تدعى هومشيوما (يمامة الحداد)، من ترجمة يزن الحاج، وكذلك كنت أعيد قراءة الثلاثية لنجيب محفوظ، أوشكت على الانتهاء من قصر الشوق للمرة الرابعة ربما، وقرأت قراءة ثانية لرواية قشرة الجوز لإيان مكإيان، وبدأت في كتاب عن الأندلس، بالأحرى تاريخ إسبانيا الإسلامية كما هو عنوان كتاب المؤرخ ليفي بروفنس. ومن المؤكد أن ثمة عدة كتب أخرى مفتوحة في الجوار. والحقيقة أن ثمة كتب تقود لأخرى، فكتاب كلود كاهن عن الإسلام هو الذي قادني لكتاب ليفي برونس عن الإسلام في إسبانيا، وكتاب ابن رشد قادني لعدد كبير جدا من الأعمال التي تناولت سيرة ابن رشد، وهذه قادتني للبحث عن أعمال من تأليفه مثل بعض ترجماته لكتب أرسطو أو كتابه في نقد الغزالي “تهافت التهافت”. أظن أن القراءة تشبه غابة كثيرا ما يؤدي تسلق شجرة فيها لارتياد أشجار أخرى والانتقال بينها.
- كتابك المفضل دائمًا وأبدًا.
هذا سؤال صعب، هناك كتب ما إن تذكر أمامي حتى أشعر بالغبطة، ولكن لا أعرف إذا كان معنى ذلك أنني أفضلها. المريض الإنجليزي للكاتب مايكل أونداتجي ربما على أول القائمة، أحب دون كيشوت مثلا، أحببت رواية بعنوان الجمال جرح للكاتب الإندونيسي إيكا كورناياوان، أفتتنت بها، أيضا رواية “رواية حياتي” للكوبي ليوناردو بادورا، الأيام لطه حسين من الروايات التي تأثرت بها جدا، وأعدت قراءتها، كلها كتب مفضلة، ومع ذلك فقد أكون ناسيا كتابي المفضل. كنت أحب الفرسان الثلاثة لألكسندر دوماس. أحدب نوتردام لفيكتور هيجو. لعبة الكريات الزجاجية لهيرمان هسه، ثلاثية أسلافنا للإيطالي إيتالو كالفينو. قرأت الحرافيش لمحفوظ أكثر من مرة، والجريمة والعقاب لدوستويفسكي، وأتمنى إعادة قراءة الجبل السحري لتوماس مان، رغم أنها رواية ضخمة وبها تفاصيل كثيرة وحوارات طويلة عن قضايا عديدة، وتتداخل بها التفاصيل العلمية والطبية وتاريخ المرض بالدواخل النفسية للفرد وبالحرب والصداقة والحب، وأيضا أحب أن أعيد قراءة موبي ديك الرواية العظيمة لهرمان ملفل، هل يعني أنني أحب أن أقرأها مجددا؟ هل تراودني فقرات أو مشاهد منها بين آن وآخر؟ نعم وأكثر، ومن الصعب فعلا الحديث عن كتاب واحد مفضل.
- كتاب قرأته أكثر من مرة.
بصراحة أتمنى أن أقرأ أي كتاب أكثر من مرة، لكن ليس هذا ما تتيحه الظروف عادة، قرأت في شبابي 200 يوم حول العالم لأنيس منصور أكثر من 20 مرة، والحرافيش ربما ثلاث مرات، والثلاثية لمحفوظ، الهوية والعنف لأمارتيا سن، والأيام لطه حسين، والقصص أو الأعمال الكاملة ليحي الطاهر عبدالله، ومجموعة قصصية بعنوان الموت يضحك لمحمد المخزنجي وهي من أكثر ما أفضله من الكتب القصصية، وبصراحة أغلب أعمال محفوظ، كذلك قرأت كتاب ابن رشد أزمة مثقف مسلم لدومينيك أورفوا مرتين، المريض الإنجليزي، الجدار لسارتر، قصة مدينتين لديكنز، وربما عدد آخر من كتب لا أذكرها الآن، ومن المؤكد أن بينها كتب لو تذكرتها سأصرخ لاحقا كيف فاتتني أو كيف نسيتها؟! أيضا دواوين الشاعر الراحل حلمي سالم، والشاعر أمل دنقل. ومن المؤكد أن عشرات من الكتب التي أعدت قراءتها وتسقط الآن من ذاكرتي.
- كتاب أثّر بك في طفولتك.
حكايات وأساطير للفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي، ألغاز المغامرون الخمسة، مجموعة مغامرات الشياطين ال13، روبنسون كروزو لدانييل ديفو، ومجموعة رحلات جلفر. كانت هناك أيضا لسلسلة حكايات بسيطة مترجمة تصدر من بيروت من مكتبة لبنان كما أذكر، كنت أحب الرسوم واللغة جميلة. أيضا أحد الكتب المؤثرة جدا أوليفر تويست لشارلز ديكنز، ولعل قصة هذا الفتى من القصص التي صاحبتني مطولا في طفولتي وصباي. لا يبارح مخيلتي أيضا كتاب عن عالم أعماق البحر، ولا تزال بعض صوره الخاصة بالحيتان والقرش عالقة بذاكرتي، وأظنني تعلمت رسم سمكة القرش منه وهي الرسمة الوحيدة التي أجيد رسمها حتى اليوم!
أيضا مجلة سمير كانت أصدرت صحيفة صغيرة مع المجلة بعنوان “وسام” لو لم تخني الذاكرة، كنت أعشق هذه الجريدة. وكنت أحاول تقليدها أيضا، وأؤلف مجلة بها رسوم أيضا. وطبعا المجموعة المصورة تان تان التي قرأتها وأعدت قراءتها مرات، أوبليكس وأوستريكس، وهي قصص مصورة مترجمة عن الفرنسية. ولا أدري كم من مرات قراءة كل كتاب في هذه السلسلة، ولا كم مرة أحببت أن أعايش بعضا من مغامراتهما. كانت القصص المصورة الطويلة التي تستغرق كتابا لميكي وبطوط بالنسبة لي بمثابة تحفة بالمعنى الحرفي للكلمة بالنسبة لعمر قراءتها.
- كلمة تحبها .. كلمة تكرهها.
هذا أيضا سؤال صعب، جدا. الكلمات هي معنى الحياة تقريبا، تمر علينا منها آلاف، ونحب من بينها آلاف وقد نكره منها الكثير. هناك كلمات جميلة في النطق حتى لو معناها سيئ، والعكس. أحب كلمة ذيب مثلا، ويبدو لي أن الذئب إذا نودي بالذيب يصبح كائنا لطيفا، على عكس الذئب. أحب كلمات بها حرفي القاف والثاء، قيثارة مثلا، المعجم العربي بالنسبة لي عموما به كلمات كثيرة أحبها.
أكره كلمات عامية كثيرة مما يستخدمه شباب اليوم لأنها تبنى على حروف تشكل كلمات معناها الحقيقي يتضاد مع المعنى المقصود، تبدو لي أكثر كمحاولة للعبث والانتحار لغويا، هل يمكن تصور أن كلمة مثل فشيخ تعبر عن الجمال أو الإعجاب بشيء؟!! لا تحقق المعنى أبدا. اللغة حين تصل إلى هذا المستوى تعبر عن انهيار نفسي، ولو أنها سمة ارتبطت بالأجيال الشابة في عصور مختلفة.
- كتاب تحب تقديمه كهدية، ولمن تهديه؟
الهوية والعنف لأمارتيا سن، أهديه لكل من يملك نفسا طائفيا. وفكرته الرئيسية صرخة تحذير للعالم من عواقب تضييق حدود البشر لهوياتهم وتصغيرها للحد الذى يجعل من هذه الهوية أداة للاقتتال مع الآخر ونفيه وتقديس مبدأ العنف دفاعا عن وهم الهوية الوحيدة.
ويرصد كيف يتم تصغير شأن وحجم البشر حين يتم وضعهم داخل صندوق محدود لهوية واحدة، هى غالبا هوية الدين أو الطائفة، على حساب الكثير من المكونات الأخرى للهوية التي يتم وأدها لصالح “الوهم الطائفي” أو المذهبي. فيتحولون إلى قطيع عنصري يكتشف هويته القتالية بتحريض من النشطاء الطائفيين. ويوضح مؤلف هذا الكتاب كيق كان الاقتتال وفق هذه الظروف سببًا لحروب دينية طويلة في العصور الوسطى، ثم كيف يعود اليوم في أشكال أخرى عديدة تمثلها جماعات طائفية عنصرية مثل الصهيونية، والجماعات الإسلامية المتطرفة مثل القاعدة وجماعات الجهاد (القتال) الإسلامي التي ظهرت اليوم بعض إفرازاتها الجديدة.
- كاتب أو شخصية (حقيقية أو خيالية من كتاب) ترغب بالنقاش معها في نادي قراءة
أعتقد أن آذر نفيسي، الكاتبة الأكاديمية الأمريكية الإيرانية، المتخصصة في الأدب الأمريكي، ومؤلفة الكتاب الشيق “لوليتا في طهران” قد تكون على رأس قائمة الأسماء التي تقترحونها هنا، وكان من حسن حظي أنني أجريت معها حوارا عن كتبها وعن علاقتها بالأدب الأمريكي والغربي، وتبينت مدى شغفها الشديد بالأدب، وكان بالفعل حواراً ممتعا يتمنى المرء ألا ينتهي. أظن أيضا أن بين من أتمنى أن أجري معه حوارا أو أنصت له في نقاش أدبي، الكاتب الأمريكي بول أوستر، وهو ما رأيته مثلا في رسائله المتبادلة مع صديقه الكاتب الجنوب أفريقي كويتزي، حيث يتمنى المرء حقا أن يحضر أي اجتماع بينهما والإنصات لملاحظاتهما الدقيقة حول الكتب والادب. ولو أن هناك فرصة للقاء شخصية روائية فأعتقد أنها ممكن أن تكون كمال عبد الجواد أحد أبطال ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة، والابن الأصغر للسيد أحمد عبد الجواد كمال عبد الجواد يحب الفلسفة، ولا يهتم كثيرا بالأدب، مع ذلك فلديه رؤى فلسفية للعالم قد تجعل النقاش معه ممتعا، وبالمناسبة أهم أفكار كمال موجودة في الجزء الثالث من الثلاثية “السكرية” وفيها يكون قد قارب على الأربعين ولديه أفكار عميقة عن الحياة والعزوبية والثورة والحب، والفلسفة والأدب وكذلك تصورات سياسية مهمة عن الثورة وعن الحرية وعن الإخوان المسلمين والخلافة والأحزاب ذات الولاءات التركية في مصر آنذاك فترة الاستعمار الإنجليزي لمصر.
- الجنس الأدبي الذي تفضل قراءته.
أعتقد أن قراءتي المبكرة لفن الرواية جعلني أدرك مبكرا أنها ليست مجرد مادة حكائية للتسلية، وليست حكاية متسلسلة كما يتصور الكثير من قراء الروايات، بل هي بالفعل وعاء فني وأدبي للفلسفة وفهم الحياة، خصوصا بعد قراءة دوستويفسكي، وقد قرأت الإخوة كارامازوف في فترة الدراسة الجامعية، وتركتني بعدها مذهولا، وتسببت في ثورة في كل أفكاري عن الرواية. فتعمقت أكثر في فن الرواية، حتى قرأت أعمالا أدبية فلسفية تماما مثل بعض روايات سارتر وتحفته القصصية (الجدار)، فبدأت أقرأ القصص واكتشفت فتنة هذا الفن الذي لا يقل من حيث الفنيات عن فن الرواية ويحتاج لأدوات خاصة. فتعرفت على عوالم كتاب قصة عالميين من فرنسا مثل جي دي موباسان، وتشيخوف ثم من خلال مجلات أدبية مثل إبداع اكتشفت أن هناك كتاب قصة عرب لديهم تجارب عظيمة. أما المسرح فقد كنت مولعا به كفن للفرجة، لا يقرأ بل يشاهد وأجد فيه فنا ممتعا ومبهجا جدا، ولكن أيضا عندما تعرفت على شكسبير وموليير وكتاب مسرح العبث وبعض كتاب المسرح المصريين من جيل الستينات. ثم يأتي الشعر وذوقي متحيز للشعر الحديث.